[b] الفحم الحجرى
الفحم الحجري صخر أسود أو بني اللون قابل للاشتعال والاحتراق. وعند احتراق الفحم الحجري فإنه يعطي طاقة على شكل حرارة. ويمكن استعمال الحرارة الصادرة عن احتراق الفحم الحجري في تدفئة المنازل، وفي عمل منتجات عديدة مختلفة. ولكن الاستخدام الأساسي لهذه الحرارة هو في إنتاج الكهرباء. وتعطي معامل إنتاج الطاقة باحتراق الفحم الحجري ثلثي الكهرباء المستهلكة في العالم. ويستعمل الفحم الحجري كذلك في إنتاج فحم الكوك وهو مادة خام أساسية في صناعة الحديد والفولاذ. وتنتج مواد أخرى عن عملية إنتاج فحم الكوك، يمكن استعمالها بدورها في صناعة بعض المنتجات كالأدوية والأصباغ والأسمدة.
وكان الفحم الحجري في فترة ماضية المصدر الرئيسي للطاقة في جميع البلدان الصناعية. وقد أنتجت المحركات العاملة بالبخار الناتج عن احتراق الفحم الحجري، معظم القدرة اللازمة لهذه البلدان منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى القرن العشرين. ومنذ بداية القرن العشرين، أصبح النفط والغاز الطبيعي المصدرين الرائدين للطاقة في معظم أرجاء العالم. وعلى نقيض الفحم الحجري؛ فإن النفط يمكن تحويله إلى بترول ومواد وقود أخرى لازمة لتشغيل وسائل المواصلات الحديثة. وقد حل استعمال الغاز الطبيعي محل الفحم الحجري لتوليد الطاقة الحرارية. ولكن، يجرى حاليًا استهلاك موارد العالم من النفط والغاز الطبيعي بسرعة. وإذا ما استمر الاستهلاك بالمستوى الحالي فإن موارد النفط قد تستهلك وتنضب في أوائل القرن الحادي والعشرين. كما أن موارد الغاز الطبيعي ستنضب بدورها في أواسط القرن الحادي والعشرين. أما مصادر العالم من الفحم الحجري فهي باقية ومستمرة إلى حوالي 220 سنة مقبلة، وذلك وفق معدلات الاستهلاك الحالية.
وقد يسدُّ الاستعمال المتنامي للفحم الحجري في إنتاج الكهرباء، بشكل خاص، النقص المتزايد لكل من الغاز والنفط. ومع ذلك، فإن استعمال الفحم الحجري يحمل في طياته مشاكل من نوع خاص؛ إذ إن احتراقه يشكل سببًا رئيسيًا لتلوث الهواء. وقد طُوِّرت وسائل عديدة للتقليل من التلوث ولكنها مكلفة ولم تثبت جدواها حتى الآن. ولابد من تحسين هذه الطرق والأساليب قبل التوسع الكبير في استعمال الفحم الحجري. وبالإضافة لهذا فإن بعض الفحم الحجري يوجد عميقًا تحت سطح الأرض، حيث يصعب استخراجه.
وفي الماضي كانت الوظائف التي تعد أكثر خطورة وصعوبة من وظيفة عامل في منجم فحم حجري تحت سطح الأرض قليلة. ففي القرن التاسع عشر الميلادي كان على العديد من عمال المناجم أن يعملوا عشر ساعات يوميًا تحت الأرض ولمدة ستة أيام كل أسبوع. وقد كانت المعاول هي الأدوات الوحيدة التي تستعمل في تكسير وتفتيت الفحم الحجري. وكان على عمال مناجم الفحم الحجري أن يجرفوا الفحم الحجري المتفتت ويحملوه في عربات. وفي حالات عديدة كان الأطفال دون سن العاشرة يجرُّون عربات الفحم الحجري من المناجم. كما عملت النساء في عمليات التحميل والنقل بالعربات. ومع مرور الزمن فقد الآلاف من الرجال والنساء والأطفال حياتهم في حوادث المناجم. كما مات آلاف آخرون جرّاء إصابتهم بأمراض الرئتين بسبب استنشاق رماد الفحم الحجري طوال حياتهم العملية في المناجم.
وتُنفِذ الآلات هذه الأيام معظم الأعمال في مناجم الفحم الحجري، كما تحسنت إجراءات الأمان في المناجم، وقلّت ساعات العمل، وتم حظر تشغيل الأطفال في المناجم قبل نهاية القرن التاسع عشر الميلادي. وانخفضت نسبة الوفيات بسبب حوادث المناجم بصورة كبيرة في القرن العشرين. وفي كل هذه الأحوال فإن مهنة تعدين الفحم الحجري من مناجمه مازالت مهنة المخاطر.
تناقش هذه المقالة، كيف تكوَّن الفحم الحجري، وأماكن وجوده، واستعمالاته، وطرق تعدينه. كما تناقش كيفية، تنظيف الفحم الحجري، ونقله، وكذلك الصناعات القائمة عليه، وتاريخ استعماله في العالم.
كيف تكوَّن الفحم الحجري
تكون الفحم الحجري من بقايا نباتات ماتت ودفنت قبل 400مليون إلى مليون عام. ولهذا فإن الفحم الحجري يمكن اعتباره وقودًًا أحفوريًًا. ويعتقد أن النباتات التي شكلت الفحم الحجري قد نمت في مستنقعات.وعند موت النباتات تشكلت بالتدريج طبقة سميكة من مادة النبات فوق قاع المستنقع. ثم أخذت تلك المادة تتصلب مع الزمن وتتحوّل إلى مادة أخرى تسمى الخُث (نسيج نباتي متفحم). ومع مرور الزمن أصبحت رواسب الخث مدفونة تحت الرمال والمعادن الأخرى. وبتراكم المادة المعدنية فإن بعضًا منها قد تحوَّل إلى صخر كحجر الرمل والطَّفل. وبتزايد ثقل الطبقات الصخرية وثقل المواد الأخرى الفوقية بدأ تحوُّل الخث إلى فحم حجري. ويطلق على الفحم الحجري والحجر الرملي والصخور الأخرى التي تشكلت من مواد مترسبة اسم الصخور الرسوبية.
تنتج المرحلة الأولى من مراحل تكوين الفحم الحجري فحمًا بنيًا داكن اللون يسمى اللجنيت (خشب متمعدن). ويتطور اللجنيت عن ترسبات الخث المدفونة الواقعة تحت ضغط شديد آت من ثقل المواد التي تعلو ترسبات الخث، وكذلك من تأثير الحركات الداخلية لقشرة الأرض. وباستمرار زيادة الضغط يتحول اللجنيت إلى فحم أكثر صلابة يسمى الفحم تحت القاري أو تحت الحمري. وتحت ضغوط أعظم يتحول الفحم شبه القاري إلى فحم أشد صلابة وقوة يسمى الفحم القاري أو الحمري. وتحت تأثير ضغوط بالغة الشدة يتغير الفحم القاري إلى فحم الأنتراسيت، وهو أكثر أنواع الفحم الحجري صلابة.
وفي معظم الحالات يكون الأنتراسيت هو أقدم أنواع الفحم عمرًًا كما يكون اللجنيت أحدثها عمرًا بين أنواع الفحم الأخرى. وقد بدأت بعض أنواع الأنتراسيت بالتشكل قبل ما يزيد على 400 مليون عام. بينما تشكلت بعض أنواع اللجنيت خلال المليون عام الماضية. وأعظم عصر تشكل فيه الفحم الحجري كان أثناء حقبة من تاريخ الأرض تعرف بالعصر الكربوني، وذلك قبل حوالي 290- 360 مليون عام. وقد غطت المستنقعات أجزاء كبيرة من سطح الأرض أثناء ذلك العصر. كما نمت نباتات السراخس الطويلة، والنباتات شبيهة الأشجار في هذه المستنقعات وأنتجت بعد موتها كميات ضخمة من المادة المكوِّنة للخث. وتعرف الآن ترسبات وفيرة من الفحم القاري تطورت عن كميات هائلة من ترسبات الخث التي تشكلت أثناء العصر الكربوني. ويستلزم حوالي 1-2 متر من مادة النبات المضغوط لإنتاج طبقة ذات سمك 0,3م من فحم البتومين.
ولاتزال المواد النباتية تتراكم في بيئات ملائمة لتشكل الفحم الحجري،كبيئات أراضي المستنقعات الواسعة مثل أرض الإفرجليدز في جنوبي فلوريدا في الولايات المتحدة الأمريكية. ويمكن أن يتطور تشكيل الخث في ظروف ملائمة من المواد النباتية المتراكمة، ثم يتحول بعد مئات آلاف السنين إلى أنواع أخرى مختلفة من الفحم الحجري.
تسمى طبقات الفحم الحجري راقات الفحم الحجري أو عروق الفحم الحجري. ويتراوح سمك هذه الراقات بين أقل من 2,5 سم و120م أو أكثر. وتتكون راقات الفحم الحجري الأكثر سمكًا من أنواع شبه قارية أو أنواع لجنيتية. ويتألف العديد من رواسب الفحم الحجري من راقين أو أكثر يكونان منفصلين بعضهما عن بعض بطبقات صخرية. ونشأت هذه التكوينات بوساطة مستنقعات ملائمة جديدة مُشكِّلة للفحم الحجري تطورت فوق مستنقعات أخرى مدفونة. وكل مستنقع جديد أصبح مدفونًا تطور إلى راق من الفحم الحجري المستقل.
وتقع بعض طبقات الفحم الحجري موازية لسطح الأرض تقريبًا. وتكون طبقات أخرى مائلة بفعل الحركات الأرضية وتوجد بزاوية مائلة مع سطح الأرض. وعادة ما تتكون طبقات الفحم الحجري العميقة من فحوم الأنتراسيت القار. وفي حالات عديدة نجد أن الحركات الأرضية قد قامت برفع طبقات فحوم الأنتراسيت القار العميقة إلى وضع قريب من سطح الأرض.
وتعتبر مثل هذه الحركات الأرضية مسؤولة أيضًا عن وجود راقات فحمية في التلال والجبال.
استعمالات الفحم الحجري
تعتمد طريقة استخدام الفحم الحجري على تركيبه الكيميائي ومحتوى الرطوبة فيه. وغالبًا ما يشار إلى الفحم الحجري كمعدن، إلا أنه ليس معدنًا حقيقيًا؛ إذ ليس له تركيب كيميائي ثابت. تتركب كل الفحوم الحجرية من أجسام صلبة معينة ومن رطوبة. أما الأجسام الصلبة فتتركب أساسًا من عناصر الكربون والهيدروجين والنيتروجين والأكسجين والكبريت. ولكن الفحوم الحجرية تتباين كثيرًا من حيث محتواها من هذه العناصر، وكذلك من حيث محتواها من الرطوبة. وفي الحقيقة لا يوجد ترسبان من الفحم الحجري متشابهان تمامًا من حيث التركيب.
تصنف الفحوم الحجرية عادة طبقًا لكمية محتواها من الكربون. وعليه تُجمع الفحوم الحجرية في أربعة أصناف أو رتب رئيسية هي: 1- الأنتراسيتات 2- الفحوم الحمرية أو القارية 3- الفحوم تحت الحمرية أو تحت القارية 4- اللجنيتات أو الفحوم البنية اللون. ويتناقص محتوى الكربون في الفحوم الحجرية مع تدني رتبها. فالأنتراسيتات ذات الرتبة الأعلى تحتوي على حوالي 98% من عنصر الكربون، بينما يحتوي اللجنيت ذو الرتبة الأدنى على حوالي 30% من عنصر الكربون. أما كمية الرطوبة في الفحوم الحجرية فتتزايد عكسيًا مع تدني رتبها في الفحوم تحت القارية واللجنيتات. وتحتوي الفحوم الأخيرة على طاقة حرارية أقل من الطاقة الحرارية في كل من الأنتراسيتات والفحوم القارية. ويشار إلى الطاقة الحرارية على أنها كمية الحرارة الناتجة عن احتراق مقدار مُعَيَّن من الفحم الحجري.
والفحوم الحمرية ـ إلى حد بعيد ـ من الفحوم الأكثر وفرة، كما أنها الأكثر استخداما من بين رتب الفحم الحجري الرئيسية. وهي ذات طاقة حرارية أعلى قليلا مما تنتجه فحوم الأنتراسيتات، وهي الفحوم الوحيدة الملائمة لإنتاج الكوك. أما الأنتراسيتات فهي صعبة الاشتعال كما أنها بطيئة الاحتراق لاتناسب الطرق الحديثة المعتادة لإنتاج الطاقة الكهربائية من الفحم الحجري. كما أنها الأقل وفرة من بين رتب الفحوم الحجرية الأربع.
الفحم الحجري كوقود. يعتبر الفحم الحجري وقودًا نافعًا بسبب وفرته واحتوائه على قيمة حرارية عالية نسبيًا. ومع ذلك يحتوي الفحم الحجري على شوائب معينة تحد من صلاحية استعماله كوقود. تشمل هذه الشوائب عنصر الكبريت ومعادن أخرى متنوعة. ولدى احتراق الفحم الحجري فإن معظم عنصر الكبريت يتحد مع عنصر الأكسجين ويكونان غازًا سامًا هو غاز ثاني أكسيد الكبريت. أما معظم المعادن الأخرى فتتحول إلى رماد. وتشير صناعة الفحم الحجري إلى المواد المنتجة للرماد باسم رماد حتى قبل احتراق الفحم الحجري.
وتحتوي بعض الفحوم الحجرية على أقل من 1% من عنصر الكبريت. وهذه الفحوم ذات المحتوى القليل من عنصر الكبريت يمكن حرقها بكميات كبيرة وبدون إطلاق كميات ضارة من غاز ثاني أكسيد الكبريت إلى الهواء، إلا أن هناك فحومًا حجرية عديدة تحتوي على ما يزيد على 1% من عنصر الكبريت. وتسبب هذه الفحوم الحجرية ذات المحتوى المتوسط وذات المحتوى العالي من عنصر الكبريت تلوثًا خطيرًا للهواء إذا أُحْرقَت بكميات كبيرة دون أخذ تدابير الأمان المناسبة. وقد حدت صعوبة وارتفاع تكلفة تطوير تدابير الأمان من التلوث من استعمال الفحم الحجري كوقود. كما أن بعض الرماد الناتج عن احتراق مسحوق الفحم الحجري قد يتسرب في الهواء ويلوثه شأنه في هذا شأن غاز ثاني أكسيد الكبريت السالف الذكر. وعلى كل حال فقد جرى تطوير أدوات وأجهزة يمكنها حجز الرماد المتطاير من احتراق الفحم الحجري في عوادم الدخان، الأمر الذي يحول دون تسربه إلى الهواء، ومن ثم تلويث الهواء. ويتركز استعمال الفحم الحجري كوقود بشكل رئيسي لإنتاج القدرة الكهربائية.
إنتاج القدرة الكهربائية. الغالبية العظمى من محطات القدرة الكهربائية محطات توربينية بخارية. وكل محطات توليد القدرة النووية وكل المحطات الأخرى التي تعمل بوقود الفحم الحجري أو الغاز أو الزيت هي أيضًا محطات توربينية بخارية. وتستعمل هذه المحطات بخارًا مضغوطًا بقوة يدير بدوره عجلات العنفات والتي بدورها تحرك المولدات التي تنتج القدرة الكهربائية. وتتباين المحطات التوربينية البخارية بشكل رئيسي فيما بينها، وذلك في كيفية توليد الحرارة اللازمة لإنتاج البخار. فالمعامل النووية تولد الحرارة عن انشطار ذرات عنصر اليورانيوم. أما المعامل الأخرى فتقوم على احتراق الفحم الحجري أو الغاز أو النفط انظر: المولد الكهربائي؛ القدرة الكهربائية؛ التوربين.
لقد بقيت الفحوم الحمرية (القارية) الفحوم الحجرية المفضلة لتوليد القدرة الكهربائية لأنها الفحوم الأكثر وفرة، ولأنها ذات القيمة الحرارية الأعلى من بين الفحوم الأخرى، كالفحوم تحت القارية واللجنيت التي تحتوي على القيمة الحرارية الأدنى من بين الفحوم.
استخدامات أخرى للفحم الحجري. يستعمل الفحم الحجري بكثرة في مناطق من قارتي آسيا وأوروبا في تدفئة المنازل والمباني الأخرى. وفي الولايات المتحدة حل الغاز الطبيعي والنفط محل الفحم الحجري كوقود للتدفئة. ومع ذلك فإن ارتفاع تكلفة النفط والغاز الطبيعي قد أدت ببعض المصانع والمباني التجارية إلى العودة إلى استخدام الفحم الحجري. والأنتراسيتات من أكثر الفحوم المحترقة نظافة ولذلك فهي المفضلة في عملية تدفئة المنازل مع أنها الأكثر تكلفة. ولهذا السبب تُفضل الفحوم القارية على الأنتراسيتات في استخدامها لتدفئة المصانع والمباني التجارية الأخرى. والفحوم تحت القارية واللجنيتات ذات معدلات حرارية منخفضة، ولذا يتعين إحراقها بكميات كبيرة من أجل توليد الحرارة بفعالية كافية. ونتيجة لذلك يندر استخدامها في أعمال التدفئة والتسخين.
وقد استخدم الفحم الحجري في الماضي من أجل الحصول على الحرارة اللازمة لصناعة منتجات كثيرة تتفاوت من صناعة الزجاج إلى صناعة الأطعمة المعلبة.
ومنذ بدايات القرن العشرين، عمد أرباب الصناعة إلى تفضيل استعمال الغاز الطبيعي لصناعة معظم منتجاتهم. أما الاستخدامات الرئيسية للفحم الحجري فاقتصرت على صناعات الإسمنت والورق، ومع ذلك تحولت بعض الصناعات الى الفحم الحجري تفاديًا لأسعار الغاز الطبيعي المرتفعة.
الفحم الحجري كمادة خام
تصلح المواد المنتجة من الفحم الحجري كمواد خام في الصناعة. ويعد الكوك الأكثر انتشارًا من حيث استخدامه من بين هذه المواد، وينتج الكوك من تسخين الفحم القاري إلى درجة حرارة 1,100°م تقريبًا في فرن محكم الإغلاق. يحول عدم توفر الأكسجين داخل الفرن دون احتراق الفحم الحجري، وتقوم الحرارة بتحويل بعض الأجسام الصلبة في الفحم الحجري إلى غازات. أما المواد الصلبة المتبقية فهي فحم الكوك وهو كتلة صلبة على هيئة زبد مُطْفأ من الكربون الخالص تقريبًا. ويلزم 1,5 طن متري من الفحم القاري لإنتاج طن متري واحد من فحم الكوك. ولتوضيح وتفصيل عمليات إنتاج الكوك، انظر: الكوك.
ويسمى الفحم الحجري المستعمل للحصول على الكوك بـالفحم المُتكوك. ولكي يكون الفحم الحجري مناسبًا لإنتاج الكوك يجب أن يحمل الفحم خصائص متنوعة مثل احتوائه على قليل من عنصر الكبريت وكمية محددة من الرماد. وهناك أنواع خاصة من الفحم القاري فقط تحمل هذه الصفات والخصائص الضرورية.
ومعظم معامل الكوك أجزاء ملحقة بمصانع الفولاذ. وتقوم مصانع الفولاذ بحرق الكوك مع خام الحديد وحجر الجير وذلك لتحويل خام الحديد إلى حديد نقي لازم لإنتاج الفولاذ. ويلزم حوالي نصف طن متري من الكوك لإنتاج 0,9 طن متري من الحديد النقي. ولوصف دور الكوك في عملية إنتاج الحديد. انظر: الحديد والفولاذ.
ويطلق على عملية إنتاج الكوك اسم الكَرْبَنة؛ حيث تتحول بعض الغازات الناتجة خلال عملية الكربنة، بعد أن تبرد ـ إلى أمونيا سائلة وقطران الفحم الحجري. وفي عمليات لاحقة تتحول بعض الغازات المتبقية إلى زيت خفيف. ويستخدم الصناع الأمونيا وقطران الفحم الحجري والزيت الخفيف في إنتاج الأدوية والأصباغ والأسمدة. كما يستعمل قطران الفحم الحجري أيضًا في أعمال أسطح المنازل ورصف الطرق. ويصبح بعض الغاز المنتج أثناء عملية الكربنة سائلاً، ويعرف بغاز الفحم الحجري أو غاز فرن الكوك. وهو يحترق مثل الغاز الطبيعي ولكنه ذو قيمة حرارية أقل، ويطلق كميات كبيرة من السناج (دقائق الكربون) لدى احتراقه. وفي العادة يتم استهلاك غاز الفحم الحجري هذا، وبشكل رئيسي، داخل المعامل التي تنتجه حيث يستخدم في توليد الحرارة اللازمة لعمليات إنتاج الكوك والفولاذ.
ويمكن الحصول على الغاز من الفحم الحجري مباشرة بدون عملية الكربنة وذلك بطرق عديدة تسمى التغويز، وتتضمن أبسط طرق التغويز حرق الفحم الحجري في وجود الهواء المضغوط أو البخار. ويشبه الغاز الناتج غاز أفران الكوك وذلك باحتوائه على قيمة حرارية منخفضة وإطلاقه للسناج. وهو يستخدم أساسًا في بعض عمليات الصناعة، وكذلك في إنتاج أنواع من الوقود السائل ذات الطاقة العالية، مثل البترول وزيت الوقود. ولكن الطرق المستخدمة حاليًا لإنتاج هذه الأنواع من وقود الفحم الحجري مكلفة ومعقدة. ويعمل الباحثون العلميون على تطوير طرق أكثر سهولة وأقل تكلفة.
مناطق وجود الفحم الحجري
يوجد الفحم الحجري في كل القارات، وتنتشر ترسباته أو تراكماته من أقصى شمال الكرة الأرضية في القطب الشمالي حتى أقصى جنوبها في القارة القطبية الجنوبية.
وتتشكل ترسبات من الفحم الحجري تحت مياه المحيطات بعيدًا عن الشواطئ. وهي ذات قيمة اقتصادية محدودة في الوقت الراهن، وذلك بسبب صعوبة تعدينها.
وتسمى ترسبات الفحم الحجري التي يمكن تعدينها بصورة مربحة باحتياطي الفحم الحجري. وفي معظم الحالات يجب ألا يقل سمك راق الفحم الحجري عن 60 سم حتى يمكن لمهندسي المناجم تصنيفه كاحتياطي. وتشمل تقديرات احتياطي الفحم الحجري طويلة المدى طبقات فحم حجري ذات سمك 30 إلى60سم. ولكن مثل هذه الطبقات الرقيقة يمكن أن يجري تعدينها لاحقًا بعد نفاد التراكمات المنتجة والواعدة. وتشمل معظم تقديرات احتياطي الفحم الحجري تلك التراكمات الفحمية التي جرى اختبارها والتأكد منها. وربما تكون كميات الاحتياطيات الحقيقية إلى حد ما أكبر أو أقل من التقديرات. ولتقدير احتياطي الفحم الحجري يقوم مهندسو المناجم بحفر الأرض في المناطق التي يحتمل وجود الفحم الحجري بها. وتؤخذ أثناء عملية الحفر عينات من التركيبات الصخرية وذلك حسب ترتيب تعاقبها بعضها فوق بعض، ومن ثم يمكن معرفة عمق وسمك راقات الفحم الحجري. وبعد أخذ ودراسة عينات عديدة من راقات الفحم الحجري، يمكن للمهندسين تقدير امتداد ترسبات فحم حجري معينة. وتسمى المنطقة الكبيرة من الأرض التي بها احتياطيات مؤكدة من الفحم الحجري حقل الفحم الحجري.
احتياطيات الفحم الحجري في العالم. ليست هناك تقديرات موثوقة لمجموع كميات الفحم الحجري الكامنة تحت سطح الأرض. ويبلغ مجموع الاحتياطيات المؤكدة من الفحم الحجري في العالم تريليون طن متري. ويمثل هذا الرقم كمية الفحم الحجري التي يمكن الحصول عليها على نحو مربح من ترسبات الفحم الحجري المعروفة باستخدام التقنيات المتاحة حاليًا. وفي الوقت الحالي توجد معظم الاحتياطيات المؤكدة في أستراليا والصين وإندونيسيا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وجنوب إفريقيا وبولندا والهند.
كيفية تعدين الفحم الحجري
يمكن تقسيم مناجم الفحم الحجري إلى مجموعتين 1 - المناجم السطحية. 2- المناجم التحت أرضية.
يتضمن التعدين السطحي في معظم الحالات تجريد وإزالة التربة والصخور القابعة فوق ترسب الفحم الحجري. وتعرف هذه المواد التي تغطي ترسبات الفحم الحجري باسم الغطاء الصخري أو الترابي. وبعد إزالة هذا الغطاء يمكن استخراج الفحم الحجري بسهولة وحمله بعيدًا.
ويشمل التعدين حفر القنوات إلى ترسبات الفحم الحجري. وعادة ما يكون التعدين السطحي مختصًا بترسبات الفحم الحجري الموجودة في حدود 30 - 60م تحت سطح الأرض.
وكلما زاد حجم الغطاء الصخري الواجب إزالته، أصبح التعدين السطحي أكثر صعوبة وتكلفة. أما ترسبات الفحم الحجري المتعمقة بما يزيد على 60م فتعدن بطرق التعدين التحت أرضي.
التعدين السطحي. تتم جميع عمليات التعدين السطحي غالبًا بالتجريد أو الكشط بمعنى أن عملياته تبدأ بكشط وإزالة الغطاء الصخري والتربة من فوق الخام. فتتكشف راقات الفحم الحجري على جوانب التلال أو الجبال. ويجري تعدين هذه الراقات من على سطح الأرض بدون إزالة أي غطاء، ويستعمل عمال المناجم آلات تسمى المثاقب اللولبية التي تنتزع الفحم الحجري. وتسمى هذه الطريقة من التعدين السطحي التعدين بالمثقب اللولبي.
التعدين بالتجريد. يعتمد على استخدام آلات قوية تقوم باقتلاع الغطاء الصخري ورميه خارج المقتلع (ويسمى الغطاء المقتلع بالتلف). ومع مرور الزمن يمكن أن يغطي منجم التعدين بالتجريد وتوالفه مساحة واسعة من الأرض. كما أن حفر واقتلاع مساحات شاسعة من الأرض يمكن أن تكون قد تسبّبت في الماضي في مشاكل بيئية خطيرة. ونتيجة لذلك تفرض بعض الحكومات على أصحاب المناجم استصلاح الأراضي التي تم تجريدها، بمعنى إعادة هذه الأراضي إلى وضعها الأصلي قدر الإمكان. ومن ثم يتضمن التعدين بالتجريد والكشط نهجين هما: 1- تعدين الفحم الحجري 2- استصلاح الأراضي.
تعدين الفحم الحجري. تتَّبع معظم المناجم التي تُعدّن الفحم الحجري بطريقة التجريد والكشط نفس الخطوات الرئيسية في إنتاج الفحم الحجري. ففي البداية تقوم الجرافات (البلدوزرات) بتنظيف وتسوية منطقة التعدين. ثم يجرى حفر ثقوب صغيرة خلال الغطاء الصخري حتى راق الفحم الحجري. ثم يُحشى كل ثقب بالمتفجرات. وعند تفجيرها تتحطم صخور الغطاء. ثم تبدأ الجرافات العملاقة القوية (الشاولات) وآلات إزاحة تراب أخرى إزالة وحمل التربة وحطام الصخور بعيدًا. وقد يبلغ ارتفاع بعض هذه الآلات المزيحة للتراب ما يوازي ارتفاع مبنى مؤلف من عشرين دورًا، وبإمكانها إزالة ما يزيد على 3,200 طن متري من الغطاء الصخري والترابي. وبعد أن يتم كشف مساحة مناسبة من راق الفحم الحجري تقوم جرافات آلية صغيرة أو آلات اقتلاع الفحم الحجري بغرفه وتحميله على شاحنات، حيث تُحمّل الشاحنات بالفحم الحجري من المنجم إلى خارجه.
ومع أن معظم التعدين بالتجريد والكشط يتبع نفس الخطوات الرئيسية إلا أن طرق التعدين بالتجريد والكشط تختلف فيما بينها طبقا لكون الأرض منبسطة أو تلّية. ولهذا يمكن تصنيف التعدين بالتجريد والكشط على صورة: 1- تعدين مساحي 2- تعدين كنتوري.
ويطبق التعدين المساحي حين تكون الأرض مستوية نسبيا، ويطبق التعدين الكنتوري في الأراضي الجبلية أو التلّية. ويقصد بالتعدين الكنتوري، التعدين حول المنحدرات الجبلية.
وفي التعدين المساحي، تقوم آلة إزالة التربة باقتلاع كل الغطاء الصخري المتكسر على امتداد شريط من الأرض على حافة حقل الفحم الحجري، ويسمى الخندق العميق الناتج القطع. وأثناء قيام آلة إزالة الأتربة بعمل القطع فإنها تكوم التلف على امتداد جانب القطع بعيدًا عن منطقة التعدين. ويشكل ركام التلف حافة بارزة تسمى رصيف التلف. وبعد اكتمال القطع يتم اقتلاع الفحم الحجري منه وتحميله بعيدًا على شاحنات. ثم تقوم آلة إزالة الأتربة بحفر قطع ثان مماثل على امتداد جانب القطع الأول، وتكوم ركام التلف من هذا القطع الجديد في مكان القطع الأول المنتهي. وهكذا تتكرر هذه العملية على امتداد حقل الفحم الحجري حتى يتم تعدينه كاملاً. وتشكل أرصفة التلف سلاسل من حواف طويلة متوازية فوق مساحة من الأرض يمكن تسويتها فيما بعد.
ويعتبر التعدين المساحي غير عملي إذا كانت راقات الفحم الحجري كامنة داخل التلال. وفي حالة وجود راقات الفحم الحجري بالقرب من قمة التل، يمكن لآلة إزالة الأتربة كشط وإزالة قمة التل، ومن ثم يتكشف الفحم الحجري. أما في حالة وجود راق الفحم الحجري قرب قاعدة التل، فيجب تعدينه على الكنتور؛ أي حول المنحدرات.
في التعدين بالكنتور، تقوم آلة إزالة الأتربة بإزالة الغطاء الصخري المحطم والمفتت مباشرة من فوق المنطقة، حيث ينكشف راق الفحم الحجري حول التل. ويشكل القطع الناتج رفًا أو إفريزًا واسعًا ممتدًا على جانب التل. ويتم تجميع وتخزين التلف بصورة مؤقتة على جانب التل أو استعماله في ملء القطوع لاحقًا. وبعد تعدين الفحم الحجري ونقله بعيدًا يمكن لآلة إزالة الأتربة أن تصعد المنحدر وتقوم بحفر قطع آخر فوق القطع الأول مباشرة، ومع ذلك يزداد عمق الغطاء الصخري بحدّة مع زيادة ارتفاع المنحدر. وبعد القطع الأول أو الثاني ربما يصبح الغطاء الصخري كبيرًا للغاية؛ ومن ثم لا تستطيع الآليات أن تزيله بكفاية. ولكن إذا كان راق الفحم الحجري سميكًا بشكل كاف، فإن المهندسين قد يحفرون منجمًا تحت سطح الأرض لأخذ ما تبقى من الفحم الحجري.
استصلاح الأرض. تتمثل المشاكل البيئية في كون التعدين بالتجريد والكشط يؤدي إلى دفن التربة الخصبة تحت أكوام من الصخر. وتطلق هذه الصخور حموضًا عند تعرضها للرطوبة. وتحمل مياه الأمطار الجارية عبر المنحدرات الجرداء الحموض والأوحال معها، وتجرف التربة الخصبة من المناطق المجاورة. وتلوث هذه المياه الجارية مياه الجداول والأنهار بما تحمله من أوحال وحموض.
وتتركز الخطوة الأولى، من عملية استصلاح الأراضي التي جرى فيها التعدين بطريقة التجريد والكشط، في التقليل من وجود المنحدرات الشديدة التي تشكلت من أكوام التلف. وتقوم الجرافات بتسوية أرضية التلف الناتج من التعدين المساحي. أما ركام التلف الناتج عن التعدين الكنتوري فيمكن استخدامه لملء القطوع في جوانب التلة. وتجب إعادة الأجز اء العليا من التربة إلى مكانها الأصلي ما أمكن ذلك، كي يصبح من الممكن إعادة زراعتها.
التعدين اللولبي. المثقب اللولبي المستخدم في تعدين الفحم الحجري آلة شبيهة بمثقب سدادة فلين ضخم، وتستخدم لحفر جانب منكشف الفحم الحجري على منحدر ما. وتفتل الفحم الحجري على هيئة قطع غليظة متكتلة. ويستخدم المثقب اللولبي في المناجم الكنتورية، وكذلك عندما يكون الغطاء الصخري الفوقي على المنحدر كبيرًا لدرجة يصعب معها إزالته. ويخترق المثقب اللولبي منكشف الفحم الحجري ويفتل الفحم الحجري الذي لم يكن من الممكن تعدينه بأي طريقة أخرى. وتستطيع المثاقب اللولبية أن تحفر وتخترق لعمق 60م أو أكثر في جانب تل أو منحدر ما.
وتختص عمليات التعدين بالمثقب اللولبي في استغلال مكاشف الفحم الحجري ذي الجودة العالية والتي لا يمكن تعدينها اقتصاديًا بأي طريقة أخرى. ومع أن التعدين بالمثقب اللولبي لا يَستخرج إلا كميات قليلة من الفحم الحجري إلا أن طريقته تكون ناجحة جدًا إذا اسُتعملت، جنبًا إلى جنب، مع طريقة التعدين الكنتوري.
التعدين التحت أرضي. ينطوي التعدين التحت أرضي على مخاطر أكثر من التعدين السطحي. فربما يتعرض عمال المناجم للإصابات أو يموتون بسبب انهيارات الكهوف والصخور الساقطة وحوادث التفجير والغازات السامة. ولمنع هذه الكوارث فإن كل خطوة من خطوات العمل في التعدين التحت أرضي يجب أن تُصمَّم بشكل يؤمن حماية العاملين. وقد نوقشت بعض تدابير الأمان في هذا الفصل من هذه المقالة. ولمزيد من التفاصيل، انظر: صناعة الفحم الحجري في هذه المقالة.
يتطلب التعدين التحت أرضي أيد عاملة أكثر من التعدين السطحي. ولكن مع هذا، تكون المناجم التحت أرضية ذات ميكنة متقدمة، حيث تقوم الآلات بكل عمليات الحفر والاقتلاع والتحميل والنقل في المناجم الحديثة.
وفي معظم الحالات، يبدأ عمال المناجم بإنشاء منجم تحت أرضي، عن طريق حفر وشق ممرين أو طريقين يصلان سطح الأرض بطبقة الفحم الحجري. ويعمل أحد هذه الممرات كمدخل ومخرج لعمال المنجم ومعداتهم، بينما يستخدم الممر أو الطريق الآخر لنقل الفحم الحجري إلى الخارج. وكلا الممرين يقوم بعملية التهوية وتحريك الهواء إلى داخل وخارج المنجم. ومع تقدم عمليات التعدين يقوم العمال بحفر أنفاق تصل ما بين هذه الممرات و راق الفحم الحجري.
ويمكن تقسيم المناجم التحت أرضية إلى ثلاث مجموعات طبقًا للزاوية التي تصنعها الممرات مع مستوى سطح الأرض. وهذه المجموعات هي: 1- المناجم الرأسية ذات الممرات العمودية على سطح الأرض أو الآبار 2- المناجم المائلة ذات الممرات المائلة 3- المناجم الموازية ذات الممرات الموازية لمستوى سطح الأرض. ويوجد في بعض المناجم نمطان أو ثلاثة أنماط من هذه الممرات.
تُشق الممرات في المنجم الرأسي عموديًا بحيث تسير مباشرة من سطح الأرض إلى راق الفحم الحجري. وفي هذا الحال لابُد من استخدام المصاعد والمهابط في هذه الممرات. وتكون المناجم العميقة غالبًا من النوع الرأسي. وتُشق الممرات في المناجم المائلة بشكل مائل بحيث تتبع عادة الممرات جانب التل حتى تصل إلى راق الفحم الحجري تحت هذا التل. أما المناجم الموازية فتُقام لتعدين راقات الفحم الحجري المطمورة في داخل التلال أو الجبال وتُشق الممرات هنا نحو الراق مباشرة حيث ينكشف الراق على سطح المنحدر. وبهذا تكون المناجم موازية لسطح الارض.
بعد شق الممرات، يجري العمل في المناجم التحت أرضية وفق نظامين رئيسيين هما: 1- نظام الحجرة والعمود. 2- نظام الحائط الطويل. ولكل من هذين النظامين تقنية خاصة به. كما يمكن اتباع أي من النظامين في أي من المناجم الرأسية أو المائلة أو الموازية على حد سواء. ويعتبر نظام الحجرة والعمود الأكثر استعمالاً في التعدين التحت أرضي في الولايات المتحدة الأمريكية، بينما يستعمل نظام الحائط الطويل على نطاق واسع في البلدان الأخرى، بخاصة في الأقطار الأوروبية.
تقوم الأعمدة المشكّلة من الفحم الحجري بدعم الغطاء الصخري فوق المداخل الرئيسية. ويجري تثبيت أسقف هذه المداخل أيضًا باستخدام القضبان أو المسامير الطويلة المصوملة، وذلك لتثبيت هذه الأسقف في مكانها. وفي سبيل تثبيت السقف هذا، يقوم عمال المنجم بحفر ثقوب في السقف بعمق 0,9- 1,8م أو أكثر. ثم يدخلون فيها قضبانًا أو مسامير طويلة من المعدن، ثم يُثبّتون النهاية الحرة من كل قضيب مع السقف بصامولة. في هذه العملية، تخترق القضبان طبقات صخور الغطاء الصخري فوق المداخل، وتربطها بعضها ببعض، الأمر الذي يحول دون انهيارها، وبذلك تبقى سقوف المداخل قوية وثابتة. وهكذا يقوم عمال المنجم بتثبيت سقوف المداخل الرئيسية في كل أنحاء المنجم كلما تقدموا في عملهم. يتم كذلك إنشاء خط سكك حديدية أو حزام متحرك في أحد المداخل الرئيسية لنقل الفحم الحجري إلى مداخل ومخارج المنجم الرئيسية. وتؤمن السكك الحديدية أيضًا عملية انتقال العمال في المداخل الرئيسية. كما يقوم مدخلان رئيسيان على الأقل بتأمين التهوية اللازمة. وقد يلزم، في المنجم التحت أرضي، إنشاء بعض التسهيلات؛ مثل قنوات تصريف المياه وأنابيب سحب الغاز وأنابيب الهواء المضغوط وكبلات الكهرباء. ويتم إنشاء هذه التسهيلات في المداخل الرئيسية أولاً، ثم يجري تمديدها لاحقًا إلى أجزاء المنجم الأخرى.
نظام الحجرة والعمود. يستعمل كثير من المناجم التحت أرضية نظام الحجرة والعمود في التعدين. في البداية يحفر عمال المنجم أنفاقًا في جسم طبقة الفحم الحجري. هذه الأنفاق تسمى المداخل الرئيسية، وهي متفرعة من طرق أو ممرات الدخول والخروج الرئيسية في المنجم، ثم يقوم العمال بحفر سلسلة من المداخل الصغيرة الفرعية في جسم طبقة الفحم. تكون هذه السلسلة متفرعة من المداخل الرئيسية، وكذلك يحفر العمال سلسلة مداخل أخرى تسمى مداخل الحجرة، وهذه بدورها تكون متفرعة من المداخل الصغيرة الفرعية. وتترك أعمدة من الفحم الحجري في كل المداخل من أجل دعم سقف المنجم. وكلما تعمقت مداخل الحجرة فإنها تشكل ألواحًا بارزة من الفحم الحجري. ويقوم العمال بحفر حجيرات في هذه الألواح من أجل إنتاج أكثر ما يمكن من طبقة الفحم الحجري. ويرى في الشكل مسقط أفقي لمنجم حجرة وعمود يوضح المداخل المختلفة في المنجم.
وبعد أن يتم إنشاء المداخل الرئيسية، يقوم عمال المنجم بحفر مجموعات من المداخل الصغيرة الفرعية، تخترق جسم راق الفحم الحجري، متعامدة مع المدخل الرئيسي. وتتألف كل مجموعة من هذه المداخل الفرعية من ثلاث أو أكثر من الأنفاق المتوازية، التي تخدم نفس الغرض كما في المداخل الرئيسية. ويجري عمل قطوع في جدران الفحم الحجري الفاصلة بين كل مدخلين متجاورين، وبذلك تَتشكّل أعمدة من الفحم الحجري شبيهة بتلك التي تشكلت بين المداخل الرئيسية. وفي نقاط متعددة وعلى طول كل مجموعة من المداخل الفرعية، يقوم عمال المنجم بحفر مداخل حجرات في جسم الفحم الحجري. وتكون مداخل هذه الحجرات متعامدة فيما بينها، ثم يبدأون باقتلاع الفحم الحجري من مداخل هذه الحجرات مُشكِّلين حجرات في جسم راق الفحم الحجري.
وكلما وسّع عمال المنجم حجرة ما، فإنهم يتركون أعمدة من كُتل الفحم الحجري لدعم الغطاء الصخري. ويتم تعدين الحجرة إلى مدى معين في راق الفحم الحجري. وعند الوصول إلى نهاية المدى، ربما يزيل عمال المنجم الأعمدة ومن ثم ينهار سقف الحجرة. ويجب عليهم إزالة هذه الأعمدة تراجعيًا أي من مؤخرة الحجرة باتجاه المقدمة. وهكذا يبقى مخرج عمال المنجم من الحجرة مفتوحًا بعد انهيار سقفها. وفي بعض الأحيان تُزال الأعمدة من المداخل الرئيسية بنفس طريقة إزالتها من الحجرة، أي تراجعيًا وذلك حماية للعاملين.
تتضمن كل طرق التعدين بالحجرة والعمود الإبقاء على وجود أعمدة من كُتل راق الفحم الحجري في أماكنها. وتتباين مناجم الحجرة والعمود فيما بينها حسب طريقة التعدين فيها. وتستخدم مناجم الحجرة والعمود طريقتين في التعدين: 1- الطريقة الآلية التقليدية. 2- التعدين المتواصل (المستمر).
الطريقة الآلية التقليدية كانت تمارس بشكل واسع خلال الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين أكثر منها الآن. وقد حلّت هذه الطريقة خلال الثلاثينيات محل الطرق الأولى البدائية التي كانت تقتلع الفحم الحجري يدويًا. كما حلّت طريقة التعدين المتواصل منذ عام 1950م محل هذه الطريقة التقليدية بشكل متزايد.
تشتمل الطريقة التقليدية على خمس خطوات رئيسية: 1- تقطع آلة، تتكون من مجموعة أقراص مسننة كأسنان المنشار، شقًا طويلاً عميقًا على طول قاعدة واجهة راق الفحم الحجري 2- تقوم آلة أخرى بحفر عدد من الثقوب في هذه الواجهة 3- يُحشى كل ثقب بالمتفجرات. ولدى تفجير المتفجرات يتحطم الفحم الحجري ويتبعثر. ويؤدي القطع أو الشق على امتداد قاع واجهة راق الفحم الحجري إلى سقوط الفحم المتبعثر على أرضية المنجم. 4- تقوم آلة بتحميل الفحم الحجري على عربات مكوكية الحركة أو على حزام متحرك.5- يقوم عمال المنجم بتثبيت سقف الحجرة الذي انكشف بواسطة التفجير بالمسامير الطويلة المصوملة.
ينفذ كل خطوة من هذه الخطوات فريق متخصص منفصل عن الفرق الأخرى، وكلما أنهى فريق عمله في واجهة معينة يأتي فريق آخر ليقوم بالدور المطلوب منه. وهكذا يمكن للعمال أن يعملوا في خمس واجهات من راق الفحم الحجري في آن واحد. ولكن، تكون هناك فترات توقف متكررة عن العمل والإنتاج، وهي الفترات الزمنية اللازمة لانتقال فريق العمل من واجهة إلى أخرى.
التعدين المتواصل (المستمر) وهي الطريقة الشائعة الآن من طرق التعدين التحت أرضي في مناجم الفحم الحجري في بعض الدول. تستخدم هذه الطريقة آلات خاصة تسمى المُعِدّنات المتواصلة. يُحفر المعدن المتواصل الفحم الحجري من واجهة راق الفحم الحجري، ويمكن لعامل واحد يدير المُعَدِّن المتواصل أن يقتلع نحو 1,8طن متري من الفحم الحجري في الساعة الواحدة. كما تقوم هذه الآلة وفي نفس الوقت بتحميله على عربات مكوكية أو على أحزمة متحركة آليًا، وهذه بدورها تنقله إلى سكة حديدية أو حزام متحرك آخر في المداخل الرئيسية.
ويحمل الفحم بسرعة تفوق سرعة نقله خارج المنجم. كما تستطيع هذه الآلة أن تعمل بسرعة تفوق سرعة الأعمال الأخرى؛ مثل تثبيت سقوف الحجر بالمسامير المصوملة، وعمليات التهوية، وتصريف المياه. ونتيجة لهذا يتوجب أن يتوقف المُعَدِّن المتواصل عن العمل بين الحين والآخر تاركًا المجال للأنظمة الأخرى لتعمل.
نظام الحائط الطويل. يتضمن هذا النظام من التعدين التحت أرضي شق أنفاق أو مداخل رئيسية شبيهة بتلك الموجودة في منجم الحجرة والعمود. ويتم تعدين الفحم الحجري، وفق هذا النظام من واجهة واحدة طويلة من راق الفحم الحجري، تسمى الحائط الطويل، وليس من عدد من الواجهات القصيرة أو من حجرات عديدة.
تبلغ واجهة الحائط الطويل هذا حوالي 90-210م طولاً. يحرك عمال المنجم آلة قطع ذهابًا وإيابًا عبر واجهة الحائط، وتقوم هذه الآلة بتحديد وتقطيع الفحم الحجري الذي يسقط بدوره على حزام متحرك. ويتم دعم السقف فوق مكان العمل مباشرة باستخدام دعامات فولاذية. وكلما تقدم العمل في تعدين راق الفحم الحجري انتقلت هذه الدعائم الفولاذية إلى الأمام وتركت السقف خلف عمال التعدين لينهار. وبعد أن يتم استهلاك واجهة راق الفحم الحجري في حدود 1200-1800م في جسم الراق تُعد واجهة جديدة للبدء في تعدينها. ويجري تكرار هذه العملية مرات ومرات حتى يتم استخراج أكبر كمية من الفحم الحجري.
ظهر التعدين بنظام الحائط الطويل في أوروبا أساسًا حيث تكثر المناجم التحت أرضية العميقة؛ التي يكون ضغط ثقل الغطاء الصخري فوقها شديدًا. ويخفف التعدين، بنظام الحائط الطويل من تأثير الضغط، وذلك بالسماح للسقف أن ينهار في معظم المناجم. وفي المناجم الأوروبية قد يبقى السقف فوق المداخل الرئيسية وفوق واجهة الحائط الطويل وفوق نفقين اثنين يؤديان إلى واجهة الحائط. وهكذا تستطيع هذه المناجم أن تنتج حوالي 90% من الفحم الحجري الموجود في راق ما.
وهناك شكل آخر من نظام الحائط الطويل يسمى تعدين الحائط القصير. ويبلغ طول واجهة الحائط القصير حوالي 45-60م . ويجري تعدين واجهة الحائط باستخدام معدات التعدين المستمر، أكثر مما يحدث في طريقة الحائط الطويل. إن هذا النظام المستخدم في أستراليا يناسب تعدين راقات الفحم الحجري التي لا يسمح بناؤها الجيولوجي بتجزئتها إلى واجهات طويلة.
تنظيف الفحم الحجري وشحنه
يتم شحن كميات الفحم الحجري إلى المشتري بحالة استخراجه من المنجم، دون أية معالجة. ويعرف هذا الفحم غير المعالج في أوساط صناعة الفحم الفحم الآتي من المنجم. وتتراوح أحجام قطع الفحم الحجري من الحبيبات الدقيقة إلى الكتل الكبيرة.
وأكثر الجهات استعمالاً للفحم الحجري، محطات توليد القدرة الكهربائية، ومصانع إنتاج فحم الكوك التي تتطلب نوعية خاصة من الفحم الحجري. ولايفي الفحم الحجري الآتي من المنجم بهذه المتطلبات وذلك لاحتوائه على كميات من الشوائب غير المقبولة، ولهذا يتعين على منتجي الفحم الحجري تنقيته من الشوائب قبل عرضه للبيع.
تنظيف الفحم الحجري. يقوم منتجو الفحم الحجري بتنظيفه في معامل تجهيز مصممة تصميمًا خاصًا. وتشتمل مناجم الفحم الحجري الكبيرة على معامل تجهيز خاصة تكون ملحقة بموقع المنجم، وتستخدم أنواعًا عديدة من الأجهزة والمعدات الأخرى لإزالة الشوائب من الفحم الحجري قبل بيعه.
ويشكل كل من الرماد والكبريت الشوائب الرئيسية في الفحم الحجري. ويتألف الرماد أساسًا من مركبات معدنية تتكون من عناصر: الألومنيوم، والكالسيوم، والحديد، والسليكون. ويكون بعض الكبريت الموجود في الفحم الحجري على هيئة معدن البيريت بشكل خاص أو المعروف بالمعدن الشبيه بالذهب. وما تبقى فهو كبريت عضوي وهذا يكون متحدًا بشدة مع كربون الفحم الحجري. وكذلك قد يحتوي الفحم الحجري الآتي من المنجم على قطع صغيرة من الصخر أو الطين تنبغي إزالتها أيضًا، بالإضافة إلى الشوائب الأخرى.
تعتمد معامل التجهيز على مبدأ الوزن النوعي في إزالتها لشوائب الفحم الحجري الآتي من المنجم. وحسب مبدأ الوزن النوعي، فإنه إذا وضعت مادتان صلبتان في محلول فإن المادة الأثقل ستهبط وتستقر في القاع أولاً. وتكون معظم الشوائب المعدنية الموجودة في الفحم الحجري أثقل من الفحم الحجري الخالص؛ ولهذا فإن هذه الشوائب يمكن فصلها عن الفحم الحجري الآتي من المنجم بوضعه في محلول. وتتضمن عملية تنظيف الفحم الحجري الكاملة ثلاث خطوات هي: 1- الفرز 2- الغسل 3- التجفيف.
الفرز. قد تستقر القطع الكبيرة من الفحم الحجري النقي أسفل المحلول قبل أن تستقر القطع الصغيرة الحاوية على شوائب عديدة، ولذلك يجب فرز قطع الفحم الحجري حسب حجومها. وفي كثير من معامل التجهيز تقوم آلة نخل بفرز قطع الفحم الحجري إلى ثلاثة حجوم؛ خشنة ومتوسطة وناعمة. ويجري طحن القطع الغليظة المتكتلة، ومن ثم يُفرز الفحم الحجري المطحون إلى الفئات الرئيسية الثلاث حسب الحجم.
الغسل. تستخدم معامل التجهيز النموذجية الماء محلولاً لفصل الشوائب عن الفحم الحجري. تسحب كل فئة من الفحم الحجري المفروز، عبر أنابيب، إلى جهاز غسل خاص، حيث يتم مزجها بالماء. ويقوم جهاز الغسل بفصل الشوائب عن الفحم الحجري بالاعتماد على مبدأ الثقل النوعي حيث تسقط قطع الفحم الحجري الثقيلة الحاوية كميات كبيرة من الشوائب في حوض تجميع النفايات. وهكذا تزيل عملية الغسل كمية كبيرة من الرماد عن الفحم الحجري. أما الكبريت العضوي المتحد مع الكربون فلا يمكن أن تزال منه إلا كميات قليلة فقط.
التجفيف. يبقى الفحم الحجري ليقطر الماء بعد عملية الغسل. وإذا لم يتخلص من كمية الرطوبة الزائدة، فإن قيمته الحرارية ستنخفض بشدة. ولذلك تستخدم معامل التجهيز أجهزة عديدة مثل الهزازات ونافثات الهواء الساخن لتجفيف الفحم الحجري بعد غسله.
وفي معظم الحالات يتم مزج فئات الفحم الحجري المنفصلة بعضها ببعض مرة أخرى، وذلك قبل عملية التجفيف أو بعدها، ويتم شحن الخليط أساسًا إلى محطات توليد القدرة الكهربائية ومعامل إنتاج الكوك. وتطحن جميع معامل إنتاج الكوك وكثير من محطات توليد القدرة الكهربائية الفحم الحجري إلى مسحوق قبل استخدامه، ولهذا فهي ترحب بشحنات الفحم الحجري ذات الحجوم المختلفة. كما أن بعض مستهلكي الفحم الحجري يطلبون فحمًا ذا حجم متناسق ومتماثل. ولذلك فإن معامل التجهيز التي تزود هؤلاء المستهلكين تُبقي على الفحم الحجري النظيف والمغسول في فئات منفصلة ومتدرجة حسب حجم قطعه.
شحن الفحم الحجري. تُنقْل معظم شحنات الفحم الحجري داخل البلد بوساطة القطارات أو بمراكب بحرية مخصصة للنقل تسمى نقالات مائية أو بالشاحنات. وفي حالات كثيرة يتم نقل شحنات خاصة من الفحم الحجري بطريقتين أو ثلاث من وسائل النقل هذه. كما تنقل سفن شحن ضخمة الفحم الحجري عبر المحيطات وبين الموانئ الساحلية، أو عبر الممرات المائية على اليابسة كما في البحيرات العظمى.
.
اعداد ا/محمود فتحى السيد