مابين الهزيمة والنصر
مابين الهزيمة والنصر وحتى السلام المنقوص.. ذكريات يرويها أحد أبطال أكتوبر
اضغط للتكبير
ذكرى انتصار حرب اكتوبر
يحتفل الشعبين الشقيقين المصري والسوري اليوم بذكرى انتصارات أكتوبر واستعادة الأرض والكرامة بعد انكسار العين لمدة ستة سنوات عجاف طال فيها الانتظار للثأر من الإسرائيليين وطردهم من الأراضي العربية المحتلة.. كانت الفترة التي تلت حرب الأيام الستة التي تسمى بـ ''النكسة'' والتي بسطت إسرائيل يدها بعدها على شبه جزيرة سيناء المصرية وقناة السويس ''الضفة الشرقية'' والقدس والضفة الغربي في فلسطين ومرتفعات الجولان السورية، وبالتحديد بعد خطاب التنحي الذي ألقاه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وتراجعه بعد ضغوطات الشعب المصري ومناشدته له بالاستمرار وبدء العمل لاستعادة الأرض والكرامة؛ من هذه اللحظة بدأ التحضير بجد واجتهاد ليوم العبور المجيد في السادس من أكتوبر 1973 العاشر من شهر رمضان الفضيل والذي قُدِر له أن يكون بعد رحيل عبد الناصر بنحو ثلاث سنوات.
خلال حرب أكتوبر المجيدة أشرف حرب عرفها التاريخ العربي المجيد يوم أن سكت الكلام وتكلم السلاح، كان لجنودنا العظماء بطولات شهد بها الجميع وكسروا القواعد العسكرية بإرادتهم وعزيمتهم وحطموا خط بارليف أقوى مانع عسكري عرفته البشرية يوم أن أفقدت قواتنا المصرية الباسلة توازن الإسرائيليين في ست ساعات فقط.. هم جنوداً لم يسمع بهم أحد عاصروا نكسة 1967 وكلل الله جهودهم بنصر أكتوبر المجيدة التي أعادة العزة والكرامة للعرب جميعاَ وكسرت أسطورة جيش الدفاع الإسرائيلي الذي كان لا يقهر وقهره جنودنا العظام.
عبد الله عبد الرحمن جندي مشاة أحد أولئك الجنود المنسيين قضى أحلى سنوات عمره في خدمة الوطن خاض خلالها العدوان الثلاثي على مدن القناة وكان وقتها في بورسعيد الباسلة.. وشهد نكسة 1967 وعاصر حرب الاستنزاف وكانت له ولزملائه صولات وجولات في الأراضي المحتلة ضد الجنود الإسرائيليين وكلل الله جهوده هو وزملاءه بنصر أكتوبر الذي يراه بالنصر الذي لم يكتمل، وكما يقول عبد الله عبد الظاهر الشهير في قريته التابعة لمركز أطفيح بمحافظة حلوان بعم عبد اللاه ''كنا نريد تخليص الأراضي العربية من اليهود وطردهم من القدس الشريف.. لو تركونا لزحفنا إلى فلسطين وثأرنا لحرب فلسطين 1948''.
يتحدث عم عبد اللاه عن أيام ما قبل حرب أكتوبر ويقول ''لم نشعر بأي شيء قبلها كان كل شيء عادي وبعض زملائنا أخذوا أجازة قبلها مباشرة.. حتى القادة لم يكونوا يعلموا بأن هناك استعدادات تجري للعبور ولا بوجود عبور من الأساس.. كان هناك بعض الجنود يستحمون في مياه القناة وآخرين يلعبون كرة القدم وآخرين يمارسون شؤونهم اليومية كالمعتاد.. لا تعبئة ولا استعدادات ولا شيء من هذا القبيل..''.
يقول بطل قصتنا الذي قضى أجمل أيام حياته مجنداً يخدم وطنه وكان وقت الحرب جندياً في الفرقة الثانية مشاة بالجيش الثاني تحت قيادة العميد حسن أبو سعدة ''قبل رمضان سعيت لأجازة حتى أتناول الإفطار في أول يوم مع أسرتي كالمعتاد ولكن قبل أن أتقدم بطلب أجازة انتابني شعور بأن هناك شيئاً ما يتم التحضير له بسرية شديدة ظننت في بادئ الأمر أن الأمر لا يعدو سوى الإعداد لمشروع حرب الذي كنا نقوم به بين الحين والآخر إلا أنه كان هناك مدفعية ثقيلة وطيران وأسلحة وتعبئة.. في هذه اللحظة تأكدت من أننا سنحارب.. كان قبل الحرب بيومين في الرابع من أكتوبر وقتها تحدثت مع زميل لي من أسوان وقلت له تفتكر هنحارب يا عبده أنا حاسس إننا داخلين على حرب!!''.
يتذكر عم عبد اللاه يوم العبور المجيد ويحكي ''كنا في يوم 5 أكتوبر نتدرب كالعادة وفي الظهيرة لعبنا مباراة كرة قدم.. وفي صباح يوم السادس من أكتوبر طلب منا القادة أن نفطر.. بعضنا أفطر والبعض الآخر أصر على الصيام وكنت واحداً من الذين افطروا في ذلك اليوم وفي الساعة العاشرة صباحاً وجدنا سيارات محملة بقوارب مطاطية وبعدها بساعتين صدرت الأوامر بالنزول بهذه القوارب في مياه القناة والعبور للضفة الشرقية''.
يروي عم عبد اللاه لحظات العبور وهو منتصب الهامة مرفوع الرأس ويقول إن حماس بعض الجنود وصل بهم إلى حد عبور القناة سباحة بكامل معداتهم وبعضهم رمى نفسه في المياه من القوارب المطاطية وسط صيحات الجنود وكلمة ''الله أكبر'' التي زلزلت الأرض من حولنا.. كان معنا زميل مسيحي ظل طول الوقت يدعو ويردد معنا ''الله أكبر''.
ويكمل ''بعد العبور بيومين في الثامن من أكتوبر قام العميد حسن أبو سعدة قائد الفرقة بصد الهجوم المضاد الذي قام به لواء 190 مدرع الإسرائيلي والذي كان يضم نحو 100 دبابة''، وتابع ''دمرنا أغلب دبابات اليهود واستولينا على 8 دبابات كانت سليمة، وأسرنا عساف ياجوري قائد إحدى كتائب اللواء''.
ويحكي عم عبد اللاه أن العميد أبو سعده وضع خطة لتدمير هذا اللواء بأن نعطيه الفرصة باختراق الموقع الدفاعي الأمامي والتقدم حتى أكثر من 2 كيلو متراً داخل القناة وما أن دخلت دبابات اللواء الإسرائيلي أرض القتال فتحنا عليهم النيران من كافة الأسلحة بأوامر من قائدنا العميد حسن أبو سعدة وتحولت البقعة إلى جحيم التهم الجنود الإسرائيليين''.
ويشرح أنه بمجرد دخول القوة المدرعة الإسرائيلية لأرض القتال فتحنا عليها النار من جهات ثلاث في نفس الوقت وفق الخطة التي وضعها العميد أبو سعدة.. ودمرنا دبابات العدو بسرعة كبيرة وهي تتقدم نحونا باندفاع شديد''.
وعن قصة اسر قائد إحدى كتائب اللواء الإسرائيلي عساف ياجوري يقول عم عبد اللاه إن ياجوري كان يتقدم أكثر من 30 دبابة وخلال معركة بيننا أظهرنا بها شجاعة منقطعة النظير.. كنا لا نهاب الموت وكان شعارنا الموت أو النصر.. انتاب ياجور الذعر بعد تدمير معظم دباباته فلم يكن منه إلا أن اختباء في حفرة بباطن الأرض حتى أسرناه هو وطاقم القيادة بعد دقائق معدودة''.
عم عبد اللاه كغيره من أبطال أكتوبر كان يتمنى أن يقضي نهائياً على إسرائيل ويخلص القدس الشريف والجولان من قبضتهم ويثأر لزملائه الشهداء الذين قتلوا في نكسة 1967 وخلال حرب الاستنزاف منهم ابن عمه الذي قتل بعد أن وقع في الأسر بعد النكسة وغيره كثيرون الذين روت دماءهم رمال سيناء العزيزة وتحكي صحراءها قصصهم ومآسيهم.
يقول عم عبد اللاه ''كنا نريد الذهاب للقدس والصلاة في المسجد الأقصى حاملين السلاح.. لكن..''، يصمت قليلاً وكأنه يعيد شريط الذكريات ثم يكمل ''بعد 17 يوماً من القتال صدرت أوامر بوقف إطلاق النيران ولم نكن نريد ذلك وعارضنا الفكرة من الأساس حتى لو أدى ذلك لموتنا، خصوصاً وأن أشقاءنا السوريون كانوا يقاتلون وأذكر أن كل الفرقة ذرفت الدموع وتساءلنا فيما بيننا لماذا نوقف القتال والسوريون لا؟؟''.
عبد الله عبد الظاهر أحد كثيرين الذين يرفضون السلام الناقص مع إسرائيل بل ويرفضون ووجودها في المنطقة العربية من الأساس ويبكي كثيراً على حال العرب وفلسطين التي ذهبت ولن تعود، ويتحسر على أيام زمان بعد أن وصل كيلو الطماطم لـ 10 جنيه واللحمة لـ 60 جنيه.